حقوق الطفل الموهوب: مملكة البحرين أنموذجاً

لمملكة البحرين تاريخ مشرف وحافل فيما يتعلق بحماية وصون حقوق الطفل، وهي من الدول الموقعة في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في العام ١٩٩٢ والتي ترجمتها من خلال عدد من المبادرات اللافتة لعل أبرزها تشكيل اللجنة الوطنية للطفولة، والاستراتيجية الوطنية للطفولة، وإنشاء مركز حماية الطفل، وإصدار قانون العدالة الإصلاحية للأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة، إضافة إلى العديد من المبادرات التي يصعب حصرها في هذا المقال. هذا وقد كان من المثير للاهتمام الدعوة التي تلقاها كاتب المقال للمشاركة في برنامج "من أول السطر" بتاريخ ١ سبتمبر ٢٠٢١ والتي تم من خلالها مناقشة السؤال التالي: ما حقوق الأطفال الموهوبين في مملكة البحرين؟ لقد تم ذكر كلمة "مثير للاهتمام" لأنه غالباً ما يتم الحديث عن حقوق الطفل في الجوانب الأساسية كالملبس والمشرب والسكن الآمن والحماية من سوء المعاملة، ولكن يندر الحديث عن حقوق الأطفال الموهوبين في مملكة البحرين، الأمر الذي تم تسليط الضوء عليه في اللقاء وألخص هنا أهم ما تمت مناقشته

بدايةً، يزخر الأدب التربوي العالمي بعدد من الحقوق التي يتفق عليها التربويون فيما يتعلق بالأطفال الموهوبين، أولها حق الطفل الذي يظهر سلوكاً أو أداءً استثنائياً في جانب أو أكثر من الجوانب التي يقدرها المجتمع بالكشف عن موهبته ورعايتها، وهو ما نص عليه قانون التعليم ٢٠٠٥ في مملكة البحرين في البند السابع (المادة ٣) والذي نص على "تنمية القدرات الوطنية القادرة على العمل والإنتاج للمساهمة في تكوين المجتمع المتعلم المنتج بما يتفق مع التقدم التكنولوجي والعلمي والتغيرات المستمرة في هذا المجال" والبند رقم ٨ من قانون التعليم ٢٠٠٥ (المادة ٨) والذي نص على "تنمية قدرة الفرد على التفكير الناقد والتعبير الحر السليم، وتمكينه من الإبداع والابتكار والإسهام في التقدم الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والتقني". ولعل أكثر النصوص صراحة فيما يتعلق بحقوق الطفل الموهوب في مملكة البحرين هو ما نصت عليه المادة (٥) من قانون التعليم ٢٠٠٥، في البند العاشر والذي ينص على "تنويع الفرص التعليمية وفقاً للاحتياجات الفردية للطلبة ورعاية الطلبة الموهوبين والمتفوقين وإثراء خبراتهم، والاهتمام بالمتأخرين دراسياً وذوي الاحتياجات الخاصة، بمتابعة تقدمهم، ودمج القادرين منهم في التعليم" 

إن إحدى حقوق الأطفال الموهوبين في مملكة البحرين هو توفير المتخصصين الذين يمتلكون المعرفة اللازمة في الكشف عن المواهب المتنوعة وتصميم البرامج التعليمية التي تناسب الحاجات المعرفية لهم. هذا وتفتخر جامعة الخليج العربي بتعاونها مع وزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين لإعداد المتخصصين في مجال الموهبة، حيث قد نتج عن هذا التعاون تخريج أكثر من ٨٠ متخصصاً في مجال تربية الموهوبين ممن يحملون شهادات الدبلوم والماجستير والدكتوراه في تربية الموهوبين، والذين هم في اتصال مباشر مع الطلبة الموهوبين سواء أكان من خلال برامج الموهوبين في مدارس المملكة أو من خلال مركز رعاية الطلبة الموهوبين. هذا وقد تكون وزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين الوحيدة في المنطقة في اشتراط أن يكون الذي يتعامل مع الطلبة الموهوبين ممن يحمل شهادات عليا في التخصص. ثالثاً فإن من حقوق الطفل الموهوب في مملكة البحرين الحصول على خدمة الإرشاد النفسي كون بعض الطلبة الموهوبين، وبحسب الأبحاث العلمية، هم عرضة لبعض المشكلات النفسية التي ترتبط بالموهبة كالكمالية الزائدة والحساسية المفرطة والانخفاض في تقدير الذات والشعور بالعزلة، إضافة إلى غيرها من المشكلات، حيث إنه من الخطأ الاعتقاد أن الطفل الموهوب هو جيد في كل مناحي الحياة أو أنه لا يعاني من أي مشكلة نفسية. وللتصدي للمشكلات النفسية والاجتماعية التي يعاني منها بعض الطلبة الموهوبين، فقد خصصت وزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين مشكورة خدمة الإرشاد النفسي كجزء من برنامج الموهبة في المدارس والتي يقدمها اختصاصيو الموهبة في المراحل الدراسية المختلفة

هذا وقد طرح مُعد ومقدم برنامج "من أول السطر"، الدكتور الفاضل زكريا خنجي استفساراً حول حقوق الأطفال الموهوبين بعد المرحلة الثانوية، وهو سؤال في غاية الأهمية كون رعاية الموهوبين يجب ألا تتوقف بمجرد تخرج الطالب من الثانوية العامة، وذلك حفظاً للجهود التي بُذلت من قبل وزارة التربية والتعليم ووزارة شؤون الشباب والرياضة وغيرها من الوزارات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية برعاية الأطفال الموهوبين. وهنا تبرز عدد من المبادرات أولها المبادرة الاستثنائية التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله في العام ١٩٩٩، باستحداث "برنامج ولي العهد للمنح الدراسية العالمية" وهو البرنامج الذي ابتعث له أكثر من ٢٠٠ طالب وطالبة من ذوي المواهب العلمية والتحصيلية، وها نحن نرى اليوم حصاد هذه المبادرة من خلال الخريجين الذين تم ابتعاثهم والذين يخدمون الوطن من خلال مواقعهم المختلفة. إضافة لذلك فإن من المبادرات الجميلة ما خصصته وزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين من بعثات خاصة للموهوبين والمتميزين، وهي مبادرة رائدة على مستوى دول المنطقة. أخيراً، فإن لجامعة الخليج العربي مبادرتها الاستثنائية أيضاً في اكتشاف ورعاية الطلبة الموهوبين في مجال البحوث الطبية وهو البرنامج الذي أطلق في العام ٢٠١٨ وتستثمر فيه الجامعة في المواهب الطبية تماشياً مع الاهتمام التي تبديه حكومة مملكة البحرين الموقرة بالطبيب البحريني

قد يطول الحديث عن حقوق الأطفال الموهوبين عالمياً وما تقدمه مملكة البحرين من رعاية واهتمام لهذه الحقوق والتي تشمل حق الطفل الموهوب في تعلم شيء جديد كل يوم، والحق في المخاطرة وارتكاب الأخطاء غير المقصودة والتي تنتج عن كمية الأفكار الإبداعية التي يمتلكها الطلبة الموهوبون، ورغبتهم في الاستكشاف والتجريب. إضافة لذلك، فإن من حقوق الطفل الموهوب اختيار مجال الموهبة الذي يود أن يستثمر فيه أو يتجه نحوه وليس ما يريده أولياء الأمور

أخيراً، وكما تم التطرق لحقوق الأطفال الموهوبين، فإن هنالك واجبات يجب أن يكون الأطفال الموهوبين على وعي بها منذ نعومة أظفارهم أهمها رد الجميل للوطن الذي استثمر في طاقاتهم لسنوات وسخر الكثير من الموارد المادية والبشرية لرعايتهم الرعاية المثالية. إن زرع مفاهيم مثل "العائد المجتمعي للموهبة" والدور الذي ينتظر هؤلاء الأطفال الموهوبين في المستقبل يجب أن يناقش صراحةً وإلا سوف نكون قد خسرنا استثمارنا وهدرنا أهم مواردنا وهو العنصر البشري الموهوب والمبدع